الكهرباء الزائدة في المخ، اختناق العصب، وتنميل اليدين – د. أحمد الغيطي يوضح الأسباب والعلاج
الجهاز العصبي هو أكثر أجهزة الجسم دقةً وحساسية، وأي اضطراب بسيط في توازنه قد يُحدث سلسلة من الأعراض تبدأ بالتنميل، ولا تنتهي إلا بتشنّجات أو ألم حاد. وفي عيادة د. أحمد الغيطي، كثيرًا ما تتكرر ثلاثة مصطلحات مترابطة:
الكهرباء الزائدة في المخ للكبار،
اختناق العصب فوق الكتف،
وتنميل اليدين.
ورغم اختلاف كل منها في السبب، فإنها جميعًا تدور حول محور واحد: الإشارات العصبية التي تخرج عن توازنها.
أولًا: أعراض الكهرباء الزائدة في المخ للكبار
يُوضّح د. أحمد الغيطي أن ما يُعرف بين الناس باسم “الكهرباء الزائدة في المخ” لا يعني وجود تيار كهربائي إضافي أو “صعقة داخل الرأس”، بل هو في الحقيقة زيادة غير طبيعية في النشاط الكهربائي لخلايا الدماغ، تؤدي إلى اضطراب مؤقت في طريقة عملها وتواصلها مع باقي الجسم.
ما المقصود بالكهرباء الزائدة؟
كل خلية عصبية في المخ تتواصل عبر نبضات كهربائية دقيقة ومنظمة. لكن في بعض الحالات يحدث خلل في توازن هذه الإشارات، فتنشط مجموعة من الخلايا بشكل مفرط أو غير منضبط، مسببةً نوبات أو أعراضًا عصبية متباينة حسب المنطقة المصابة من الدماغ.
“الدماغ ليس آلة كهربائية… لكنه يُصاب بالارتباك حين يختل التوازن بين الإشارة والراحة.”
— د. أحمد الغيطي
أبرز الأعراض التي يشكو منها المريض
تختلف أعراض الكهرباء الزائدة في المخ لدى الكبار من شخصٍ لآخر، بحسب شدة النشاط الكهربائي ومكانه في الدماغ، لكن هناك علامات شائعة يلاحظها الأطباء:
- تشنجات أو رعشات في أحد الأطراف، قد تستمر ثوانٍ أو دقائق.
- شرود مفاجئ أو انقطاع في الوعي للحظات، كأن المريض “يغيب عن الواقع” لثوانٍ ثم يعود طبيعيًا.
- اضطراب مؤقت في الكلام أو النظر أثناء النوبة.
- صداع متكرر أو دوخة بعد النوبات، خاصة في حالات الإجهاد العصبي.
- تنميل أو إحساس غريب في الذراع أو الوجه قبل حدوث التشنج، وهو ما يُعرف بالهالة العصبية (Aura).
بعض المرضى لا تظهر لديهم التشنجات الواضحة، بل يعانون من نوبات صامتة تظهر فقط على شكل بطء في الحركة أو تيه في الإدراك، وهنا تكمن صعوبة التشخيص.

الأسباب المحتملة لزيادة النشاط الكهربائي
الكهرباء الزائدة ليست دائمًا مرضًا مزمنًا، بل قد تكون عرضًا مؤقتًا لاختلال داخلي، مثل:
- إصابة قديمة في الرأس أو ارتجاج في المخ.
- اضطرابات النوم المزمنة أو السهر المتكرر.
- التوتر والضغوط النفسية الحادة التي تؤثر على كيمياء الدماغ.
- ضعف الدورة الدموية الدماغية أو نقص الأكسجين.
- الوراثة، إذ تزداد القابلية للنوبات في بعض العائلات.
- نقص بعض الأملاح أو المعادن مثل الصوديوم والكالسيوم.
كيف يتم التشخيص؟
يعتمد الطبيب على التاريخ المرضي المفصل والفحص العصبي، بالإضافة إلى:
- تخطيط كهرباء المخ (EEG) وهو الاختبار الأهم، إذ يسجل النشاط الكهربائي للدماغ ويُظهر المناطق التي تُصدر إشارات غير طبيعية.
- أشعة رنين مغناطيسي للدماغ (MRI) لاستبعاد الأورام أو التشوهات الهيكلية.
- تحاليل دم لقياس نسبة الأملاح والمعادن، واستبعاد الأسباب الأيضية.
العلاج والتحكم في النوبات

العلاج يختلف حسب السبب ونوع النوبات، لكن الهدف الأساسي هو إعادة التوازن الكهربائي الطبيعي للدماغ.
ويتضمن ذلك:
- الأدوية المضادة للتشنجات التي تعمل على تهدئة النشاط العصبي الزائد.
- تنظيم النوم وتجنّب السهر والإجهاد الذهني.
- التغذية المتوازنة الغنية بالمغنيسيوم وفيتامين ب المركب.
- العلاج النفسي والسلوكي في حال وجود توتر أو قلق مزمن.
- وفي الحالات النادرة جدًا، التدخل الجراحي أو التحفيز العصبي إذا فشلت الأدوية في السيطرة على النوبات.
ثانيًا: اختناق العصب فوق الكتف
كثير من الناس يظنون أن ألم الكتف أو الذراع سببه مفصل أو عضلة، بينما يكون السبب الحقيقي اختناق العصب فوق الكتف — وهو العصب المسؤول عن تغذية عضلات الكتف ونقل الإحساس منها.
كيف يحدث الاختناق؟
يحدث عادة نتيجة:
- إجهاد عضلي متكرر أو حمل أوزان ثقيلة.
- انزلاق غضروفي بسيط في الفقرات العنقية.
- جلوس طويل بوضعية منحنية أمام الحاسوب أو الهاتف.
- إصابات رياضية أو التهابات مزمنة في الأوتار.
الأعراض النموذجية
- ألم عميق ينتشر من الرقبة إلى الكتف والذراع.
- ضعف في حركة الذراع أو رفع اليد.
- تنميل أو وخز في أطراف الأصابع.
- صعوبة في النوم على الجانب المصاب.
ويؤكد د. الغيطي أن اختناق العصب فوق الكتف قد يُسبّب أعراضًا تشبه الجلطات الطرفية أحيانًا، لذلك يجب إجراء فحص عصبي شامل وأشعة رنين على الرقبة والكتف قبل التشخيص النهائي.
“ليس كل ألم في الكتف عضليًا… أحيانًا يتحدث العصب بصوت العضلة.”
— د. أحمد الغيطي
العلاج يبدأ بالراحة، والعلاج الطبيعي، وتمارين الإطالة لتخفيف الضغط على العصب.
في الحالات المزمنة، قد تُستخدم حقن مضادة للالتهاب أو علاج موجّه للأعصاب لاستعادة وظيفتها.
ثالثًا: تنميل اليدين – علامة على إجهاد أم مرض عصبي؟
يُعدّ تنميل اليدين من أكثر الأعراض شيوعًا التي تشير إلى اضطراب عصبي أو وعائي. ويُقسّمه د. الغيطي إلى نوعين:
1. تنميل مؤقت
يحدث عند الضغط على اليد أو الذراع أثناء النوم أو الجلوس، ويختفي بمجرد تحريك الطرف. هذا النوع ناتج عن انقطاع مؤقت للتروية الدموية أو ضغط بسيط على الأعصاب.
2. تنميل مزمن
إذا استمر التنميل أو صاحبه ألم وضعف في الأصابع، فغالبًا ما يكون السبب:
- التهاب الأعصاب الطرفية الناتج عن السكري أو نقص فيتامين ب12.
- متلازمة النفق الرسغي (ضغط العصب الأوسط في المعصم).
- مشاكل في الرقبة أو الكتف مثل اختناق العصب أو انزلاق غضروفي.
وفي بعض الحالات، قد يكون التنميل أول إشارة لضعف الدورة الدموية الدماغية أو بداية جلطة صغيرة.
العلاقة بين الكهرباء الزائدة، اختناق العصب، وتنميل اليدين
رغم اختلاف الأسباب، فإن الرابط المشترك بينها هو اضطراب نقل الإشارات العصبية.
- في الكهرباء الزائدة، يكون الخلل في الدماغ نفسه.
- في اختناق العصب، يكون الخلل في المسار العصبي الخارج من الرقبة إلى اليد.
- في التنميل، تكون النتيجة النهائية واحدة: ضعف الإحساس أو الألم بسبب خلل في التواصل العصبي.
لذلك، لا يمكن علاج أيٍّ منها دون فهم مصدر المشكلة الحقيقي: أهو في الدماغ؟ أم في الرقبة؟ أم في اليد؟
“الطبيب لا يبحث عن الألم، بل عن أصله.”
— د. أحمد الغيطي
التشخيص والعلاج
يعتمد التشخيص على الدمج بين الفحص الإكلينيكي والتحاليل:
- تخطيط كهرباء المخ EEG لتقييم النشاط الدماغي.
- رنين مغناطيسي على الرقبة والكتف لتحديد أماكن ضغط العصب.
- تحليل فيتامين ب12 والسكر التراكمي لاستبعاد التهاب الأعصاب الطرفية.
العلاج يشمل:
- أدوية لتثبيت الإشارات العصبية وتقليل التشنجات في حالات الكهرباء الزائدة.
- تمارين علاج طبيعي وتمارين إطالة في اختناق العصب.
- حقن فيتامين ب المركب لتحسين تغذية الأعصاب وتنشيطها.
- علاج السبب الأساسي سواء كان انزلاقًا غضروفيًا أو نقصًا غذائيًا أو توترًا عصبيًا.
“قد يهمك: علاج الدوخة والدوار في أقل من دقيقة“
نصائح د. أحمد الغيطي للوقاية من اضطرابات الأعصاب
- تجنّب الجلوس الطويل في وضعيات غير مريحة.
- مارس تمارين الرقبة والكتف يوميًا.
- راقب مستوى السكر والفيتامينات في الدم.
- احرص على النوم الكافي وتقليل التوتر العصبي.
- استشر طبيب الأعصاب فورًا عند أي تنميل أو تشنج متكرر.
“الأعصاب لا تصرخ فجأة، بل تهمس أولًا… ومن يسمع الهمس ينقذ نفسه من الصرخة.”
— د. أحمد الغيطي
الخلاصة
الفرق بين الكهرباء الزائدة في المخ للكبار واختناق العصب فوق الكتف وتنميل اليدين هو موقع الخلل، لكن النتيجة واحدة: الجهاز العصبي يحتاج إلى توازن دقيق ليعمل بصمت. وحين يختل هذا التوازن، يبدأ بإرسال إشاراته الصغيرة التي لا يجب تجاهلها.



